حياة الترحال من منظور جديد: عن صالات العرض

تسلط صالات العرض في معرض "حياة الترحال من منظور جديد" الضوء على الأشكال الثقافية المعقدة والجميلة التي أنشأها وحافظ عليها الرعاة.

المشاركة مع صديق

بين القسوة والرومانسية

تعرّضت صورة الرعاة الرّحّل في مناطق الصحراء الوسطى وقطر ومنغوليا إلى تشويه كبير من طرف الآخرين، سواء داخل مناطقهم أو من خلال النظرة التي تشكلت في الغرب تجاههم. في بعض الأحيان يخشاهم الآخرون لاستقلاليتهم وقوتهم، ويزدرونهم في الوقت ذاته لقسوة ظروفهم المعيشية. وفي أحيان أخرى ينظرون إليهم كمحاربين أشداء، أو كأشخاص قريبين جداً من الطبيعة ونقائها. تظهر هذه الصور النمطية بشكل مستمر في وسائل الإعلام والإعلانات، والفن، والسينما، والأدب. وقد ساهمت بعض الأعمال الأكاديمية أيضاً في دعم هذه الانطباعات. هل يمكننا تجاوز هذه الأفكار؟ ندعوك في هذا الجزء للتفكير فيما يلي: ما السبب الذي يكمن وراء هذا الفكر الضيق؟

ثلاث نساء يغزلن بجانب خيمة ومعهن رجل عجوز

© متحف موسغارد

مساكن الرعاة الرّحّل

تشترك البيوت المتنقلة بميزات خاصة في مناطق مختلفة من العالم. صممت هذه البيوت لتكون سهلة الطي والتركيب بالنسبة للرعاة، الذين ينتقلون مع قطعانهم بحثاً عن المراعي الجديدة بسبب تَغَيُُّّر الفصول، أو لأسباب اجتماعية.

تُقسّم الأجزاء الداخلية لهذه المساكن بعناية، وتخصص مساحات منها لأغراض معينة، ولأفراد الأسرة. تشمل المساحة المخصصة للمعيشة المنطقة المحيطة بالمسكن أيضاً، حيث يتم فيها تحضير الطعام والقيام بأعمال منزلية أخرى.

تتطلب صناعة البيوت مهارات وخبرات عالية. وهي تصنع من اللباد أو الصوف المنسوج أو الجلد، أو من مواد طبيعية أخرى. وتضم عناصر أساسية مهمة، مثل الأعمدة الخشبية المنقوشة، والقواطع المزخرفة، وحلقات السقف المطلية.

في أودية جبال الصحراء الوسطى

يعيش بدو إموهار في فصل الشتاء داخل الخيام وفي محيطها. توفر هذه الخيام لساكنيها الحماية من الرياح الباردة والعواصف الرملية، وهي خفيفة الوزن، حيث يسهل نقلها على ظهر جمل واحد. يبنى المخيم الذي يضم في العادة عدداً من الخيام، في وادٍ يكون قريباً من المراعي، ومن مصادر المياه والخشب. وتضم كل خيمة من هذه الخيام أسرة واحدة.

تنتقل الأم وأطفالها بخيمتهم أحياناً مرة كل أسبوعين إلى وادٍ آخر، بينما يسافر الزوج بحثاً عن الإبل المفقودة.

بيت الشعر

تميزت بيوت أهل البر في قطر بسهولة طيها ونقلها، وملاءمتها لاحتياجات الناس أثناء التنقل في البيئة الصحراوية القاسية والمتغيرة. يضم المخيم في العادة عائلة ممتدة، حيث يفضل الأقارب أن يكونوا في مخيم واحد. ويضم المخيم ست خيام أو أكثر، تمتد في خط واحد أو على شكل قوس. تشمل المساحة المخصصة للمعيشة المنطقة المحيطة بالخيمة. وتنقسم المساحة الداخلية إلى قسمين، قسم خاص بالرجال والضيوف وقسم خاص بالنساء.

الجير المنغولي: مسكن واحد وطريقتان للعيش

الجير عبارة عن خيمة متينة تشبه القبة، تستخدم في السهوب المنغولية. وهي سهلة النقل، ويستخدمها الرعاة الرحل والسكان الذين استقروا في ضواحي البلدات والمدن.

تشكل نصف الخيام في منغوليا تقريباً مساكن ثابتة على الأراضي المُسَيَّجَةُ، وفي ضواحي العاصمة أولان باتور، وفي مراكز المحافظات.

أما بالنسبة للرعاة الذين ينتقلون مع قطعانهم بشكل موسمي، فهم في العادة يقيمون مساكنهم في مخيمات تضم منازل يسكنها العديد من الأسر. وتشتمل المساكن لدى بعض الأسر على مبان ثابتة، مثل حظائر الحيوانات، والمرافق وخيام التخزين الصغيرة.

التداخل بين حياة الإنسان وحياة الحيوان

يعيش الرعاة بالقرب من الحيوانات.

تقوم العلاقة المتبادلة بين الإنسان والحيوان على الاهتمام الكبير والمعرفة اللازمة، والمهارات العجيبة المرتبطة باحتياجات الحيوان وطباعه المختلفة.

تضاريس مألوفة

تعتبر المناظر الطبيعية البديعة والقاحلة، التي يعيش عليها الرعاة الرحل وينتقلون خلالها، تضاريس مألوفة ومعروفة جداً بالنسبة لهم.

يواجه الرعاة ببراعة وإبداع تحديات المعيشة في أكثر بيئات العالم قساوة، ويعملون على تحويل ما يبدو أنه مصادر قليلة وشحيحة إلى مصادر عالية القيمة.

تظهر المعرفة والخبرة القوية ببيئاتهم بشكل واضح في لغتهم، وخيالهم وحياتهم الروحية.

فهم يذكرون بكثرة الرياح والطقس، والطيور والحيوانات والجبال والحياة البرية، والماء في أغانيهم وأشعارهم وأمثالهم، التي من خلالها ينقلون لنا مشاعرهم وتجاربهم في الحياة.

فن الحياة

يعيش الرعاة المتنقلون كغيرهم من الناس، في بيئة تجعلهم قادرين على فهم معاني الحياة وإدراك العالم من حولهم. وهذا يظهر في ممارساتهم الثقافية المتعددة وأساليبهم الخلّّاقة في العيش.

فهم يستجيبون لمتطلبات البيئة المليئة بالتحديات، وحياة الرعي والتنقل بطريقة تتميز بالابتكار والخيال، ومساعدة الآخرين، والتعاون مع أفراد العائلة والجيران والأصدقاء.

ومن خلال الصور النابضة بالحياة والقوة العاطفية التي تظهر في أغانيهم وحكاياتهم وقصائدهم، يعبرون عن أنفسهم ويوجهون صغارهم، ويحافظون على عاداتهم وتقاليدهم ويرسخونها.

يجتمع الناس مساءً في جلسات السمر، ويتبادلون الزيارات، ويشاركون في الاحتفالات والمناسبات الدينية، وتتعاون النساء نهاراً في أعمال الحياكة والمهمات اليومية الأخرى. وهذه الممارسات تساهم جميعها في تعزيز الروابط الاجتماعية بينهم، وتجعلهم يتشاركون في أوقات الفرح وأوقات الشدة.

التشارك في العمل

يحرص الرعاة كثيراً على العمل الجماعي، حيث يسهّل الأعمال الكبيرة ويجعل ممارستها ممتعة. ولا يقل أهمية عن ذلك أن العمل التشاركي يشكل فرصة لالتقاء الناس واجتماعهم، وتقوية الروابط بينهم، وإظهار مهاراتهم الشخصية.

الملابس والأزياء

لا تعتمد نوعية الملابس وتصميمها فقط على طبيعة المناخ وتوفر مواد الصنع، بل تعتمد كذلك على القيم الاجتماعية السائدة والعناصر الجمالية والموضة والأذواق القادمة من الخارج.

وسواء كانت هذه الملابس تشترى من الأسواق أو تصنع في المنازل، فهي تشكل جزءاً من الطريقة التي نعبر بها جميعاً عن هويتنا أو نحاول حتى إدخال التغييرات عليها.

وتشكل الرموز والزخارف التي تدخلها النساء في المنسوجات الدقيقة والملابس المطرزة الجميلة جزءاً من تراث المجتمع.

وتعكس الملابس في الوقت ذاته الإحساس بالذات لدى الشخص الذي يرتديها، وتقديره للجمال، وملكيته لها، وتظهر كذلك فضل صانعها.

ومن الممكن أن يتغير اللباس في الشكل والمعنى، تماماً كما يحدث في أشكال التعبير الثقافي الأخرى.

يصنع المصممون اليوم في قطر العباءات باستخدام طبعات وأقمشة جديدة ودرجات ألوان مختلفة، اعتماداً على التقاليد القائمة في المجتمع.

وفي الوقت الذي تتأثر فيه الملابس التقليدية باتجاهات الموضة وتغيّر الذوق العام، فإنها تشكل في الوقت ذاته مصدراً للإلهام في الأزياء والفنون.

لقد فتن العالم منذ وقت طويل، وبالأخص في هوليوود، بالعباءات والقبعات والأحذية المنغولية، وتعتمد الموضة المعاصرة كذلك الآن على الزخارف والتصاميم الموجودة في الملابس المصنوعة من الصبغة النيلية ومجوهرات الفضة عند الإموهار.

الاحتفالات والتراث

تعتبر المناسبات الدينية والاجتماعية والفعاليات الرياضية من الأحداث التي ينتظرها الناس بفارغ الصبر، لقضاء الوقت مع العائلات والأصدقاء، والالتقاء بالأقارب الذين يعيشون في مناطق بعيدة، والاحتفاء بالتراث والعقيدة.

وتمثل الاحتفالات بعيد الفطر وعيد الأضحى المبارك في قطر وباقي أنحاء العالم الإسلامي، ومهرجان دي لاير الموسيقي في النيجر، مناسبات سعيدة أيضاً للرجال والنساء يرتدون خلالها أجمل الثياب والحلي.

اكتسبت الألعاب الصيفية في منغوليا بعد ثورة عام 1921 المدعومة من الاتحاد السوفييتي أبعاداً قومية، وفي الثلاثينيات تم إضافة العروض العسكرية لهذه الألعاب.

وفي الوقت الحاضر يجذب هذا المهرجان عشرات الآلاف من الناس لمشاهدة مسابقات الرماية والمصارعة، وسباقات الخيل ولعبة الجاكس.

قراءة المستقبل: التمائم والعرافة

يحاول الناس في كل مكان قراءة مستقبلهم والتعرف على أحداثه المتعلقة بهم.

ويمكن ملاحظة هذه الأعمال من خلال ممارساتهم الدينية.

في بر قطر كانت المرأة أو الفتاة ترتدي قلادة طبلة تحتوي على آيات من القرآن الكريم لحمايتها.

وقد كان الكثير من رعاة الإموهار يرتدون حقائب جلدية مسطحة تعرف الواحدة منها باسم تيروت، حيث يخاط عليها نصوص دينية لحمايتهم من المرض وسوء الطالع.

ويرتدي المنغوليون كذلك التمائم أو يحتفظون بها في البيت، من أجل توفير الحماية لهم، ويستخدمون أشكالاً مختلفة من العرافة، مثل قراءة التشققات والألوان التي تنتج عن وضع أكتاف الأغنام على النار، للحصول على إجابات تتعلق بمواشيهم والصحة الجسدية والعلاقات الاجتماعية.

الكرم والضيافة

في جميع هذه المناطق الثلاث يستقبل الضيف بشكل جيد ويحظى بالاحترام.

في الصحراء الوسطى يقدمون له أولاً وعاء من الحليب، يليه الشاي.

وكانوا يحصلون في الماضي على السكر الذي يضاف للشاي عن طريق تقطيع قوالب السكر بمطرقة صغيرة شديدة الزخرفة، وهي أداة نادرة تستخدم لهذا الغرض فقط، وهذا يوضح مدى أهمية تقديم الشاي للضيف عند أولئك الرعاة.

في قطر يستقبلون الضيف في المجلس، ويقدمون له القهوة والتمر، والطعام، ويوفرون له الحماية إذا لزم الأمر.

وفي الريف المنغولي تتم الزيارات في مناسبات كثيرة. ويقدم لعابري السبيل الشاي مع الحليب، والجبن أو الخبز المقلي.

اجتماع الناس ولقاءاتهم

يستمتع الرعاة بقضاء الوقت مع العائلات والأصدقاء، وغيرهم من الأفراد. ويتراوح ذلك بين اللقاءات العابرة التي يتبادل فيها المسافرون الأخبار، وبين اللقاءات العائلية، والاحتفالات الدينية، مثل الاحتفال بالعام المنغولي الجديد تساجان سار.

في الصحراء الكبرى يجتمع كبار السن من الرجال والنساء في المساء أمام الخيمة، للحديث وسماع جديد الأخبار، والتخطيط لشؤون الحياة وتناول الشاي، بينما يخرج الشباب ويتبادلون الحكايات ويعزفون الموسيقى.

وفي أوقات سابقة كانت تعزف إحدى الفتيات على آلة موسيقية مقوسة أحادية الوتر، تسمى إمزاد، بينما تغني الأخريات مع الموسيقى.

وفي قطر ما يزال الناس إلى اليوم يجتمعون في المجالس ويتبادلون الأخبار، ويتناقشون في شؤون العمل والسياسة، ويعزفون الموسيقى وينشدون الأشعار.

وفي المقعد تجتمع النساء، ويتم إعداد أنواع الطعام المختلفة، ويقمن بأعمال الحياكة، والرقص والغناء.

العوامل المؤثرة

تأثرت حياة الرعاة المتنقلين ومناطقهم في الصحراء الوسطى وقطر ومنغوليا بشدة نتيجة للتغيرات الاقتصادية والسياسية والبيئية التي حدثت خلال القرن الماضي، وكانت هذه التغيرات في غالبيتها نحو الأسوأ.

أدى اكتشاف النفط والغاز في قطر، وما أعقب ذلك من استثمارات في البنية التحتية والتعليم، إلى جلب الازدهار، وحدوث نقلة اجتماعية كبيرة في البلاد.

ولكن في أماكن أخرى أدت حالة التدهور الناتجة عن التدخل الاستعماري واستغلال الموارد والرعي الجائر في المراعي المتقلصة، والتغير المتزايد في المناخ إلى تقويض سبل العيش، وتدهور البيئة التي اعتمد عليها الإنسان والحيوان. وأدى كذلك توفر الفرص الجديدة في الحواضر والمدن إلى انتقال الكثير من السكان إلى هذه الأماكن.

مستقبل مشترك

يواجه الرعاة المتنقلون جميع المستجدات التي تؤثر في مجتمعاتهم وسبل عيشهم بعزم وتصميم وإرادة قوية.

تحول البدو في الصحراء الوسطى من ممارسة الفنون التقليدية التي تقوم على صناعة المجوهرات الفضية وممارسة الموسيقى إلى إنتاج سلع عالمية شهيرة، ساهمت في تعزيز هويتهم الوطنية وتوفير مصادر دخل جديدة لهم.

يستخدم الرعاة المنغوليون اليوم السيارات والحافلات والدراجات بدلاً من الخيل؛ لأنها توفر لهم الراحة وتجنبهم التعب والجهد.

ومع ذلك تبقى حياة الرعي والتنقل مصدر فخر واعتزاز في خيال الناس وذاكرة المجتمع.

حافظ القطريون اليوم على التقاليد الخاصة بالمجلس والصقارة، بينما يحاول المنغوليون إحياء العادات القديمة التي كانوا يمارسونها قبل الحقبة السوفيتية، مثل الطب التقليدي والكتابة المنغولية.

ما يزال الإبداع الذي يتميز به الرعاة الرحل يشكل مصدر إلهام للشعوب والثقافات الأخرى. تأثرت هياكل الشد للمباني والملاعب العالمية بهندسة البيوت المتنقلة. شكلت العلاقات العميقة التي تجمع الرعاة بحيواناتهم وحرصهم الشديد عليها مصدر إلهام لنا جميعاً فيما يتعلق بمسؤولياتنا الفردية والجماعية في الحفاظ على كوكب الأرض.